grey white clouds

الصدق والأمانة في مهنة التوجيه في العالم العربي

Trust and Honesty in Coaching Training in MENA

وقفات مع التدريب والإعتماد والجدارة المهنية في إطار أخلاقي ثقافي

بالرغم من تخرج الكثير من الموجّهين في عالمنا العربي من مدراس توجيهية معتمدة لدى الاتحاد الدولي للتوجيه[1]، بل ولدى المجلس الأوروبي للإرشاد والتوجيه[2]، إلا أن الخرجين عادة ما يتركون بعد التخرج في السوق العربي حائرين في كيفية جمع الساعات. هناك عدد من المعطيات التي تسهم في هذا التحدي والتي سأحاول أن أطرحها، ثم أضع بعض المقترحات لها.

1- ارتفاع قيمة العضويات في المنظمات العالمية

  1. إرتفاع قيمة العضويات العالمية

يفضل الخريج العربي أن يبقى بلا عضوية نظرا لكون سعر العضويات والانتساب لهذه المنظمات العالمية مرتفع السعر، فقيمة العضوية مبنية على معدّل دخل الأوروبي والامريكي وليس العربي. ولذا يتردد العربي في أن يستثمر في العضوية مباشرة بعد التخرج وبخاصة أن قيمة البرنامج عادة تكون مرتفعة، ويترك الانتساب لحين التقديم على الاعتماد.

والمتفحص، يرى أن النموذج التعليمي في هذه المنظمات مبنيا على استكمال التعلم بعد التخرج من خلال العضويات والتي توفر محاضرات مجانية ودوريات ممارسة نظيريّه ودعم شخصي لكل منتسب، بل وتخفيضات وبرامج مجانية في مواقع المنظمات العالمية باللغة الإنجليزية فقط. ولأن العربي غالبا لا يتحدث الإنجليزية بطلاقة ناهيك عن القراءة العميقة المتمعّنة واختلاف لهجات التحدث بالإنجليزية فإنه لو انتسب يحرم من ذلك كله ويكون انتسابه فقط اسما وصورة بلا قيمة فعلية. وصحيح أن الفروع المحلية لهذه المنظمات تنظّم الكثير من المحاضرات والدوريات، ولكن تظل المشكلة قائمة كما سيأتي.  ويبقى العربي بلا انتماء وبخاصة إذا لم توفر له المدرسة التعليمية التوجيهية ذلك. وهذا بالتالي يؤثّر على مستوى التدريب والتعلم والممارسة التي بذل فيها جهد بلغ عددا من الأشهر لحين التخرّج.

2- التسويق أم العلاقات

زد على ذلك أن بعض البرامج لا تركز اطلاقا على التسويق وكيف يبني الموجّه سمعته في السوق. بل إن البرامج في جملتها لا تركز على ذلك لكون هيكل البرامج المطلوب من المنظمات المعتمدة لا يسمح بكثير من الموارد في جملة ساعاته. ولعله أيضا لكون المدرّب لا يعرف كيف يسوّق أو يبيع وتجربته تنحصر في التدريب فقط، وبالتالي يفضّل ألّا يتطرق في المنهج التدريبي إلى التسويق والبيع. كما أن التسويق والبيع له مختصين وبخاصة في ظل تعقد العالم الافتراضي. زد على ذلك أنّ خدمات التوجيه مبنية على الثقة، والثقة لها تعريف مختلف في العالم العربي. فهي ليست بالسمعة ولا الظهور في وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن بالتعامل الشخصي المباشر طويل المدى وبالإحالات.

3- خدمة الممارسة المدفوعة كمتطلّب للاعتماد

ويزيد الامر تعقيدا أن المنظمات العالمية تطلب منه أن يقدم الخدمة والتي تحتسب له كساعات، بثمن مدفوع فيما لا يقل عن خمس وسبعون ساعة ويزيد في الاعتمادات المتقدمة وأنّ التطوع بالممارسة غير مقبول. لا أريد أن اطيل في هذه فقد تكون نظرة سوقية بحته من المنظمات الخارجية، ولكن هي جزء من المعادلة الصعبة على الموجّه العربي المعتاد على العطاء والمساعدة. فمعظم المنظمات الأوربية والأمريكية هي جزء من مجتمعات الرأسمالية والتي تنمي في أفرادها ضرورة الأخذ مقابل العطاء ولا تتبنى مفهوم الايثار الأخلاقي الذي ندعو له بقوة في القيادة النيوكازمية الأخلاقية وهو الأقرب للقيادة الإسلامية.

4- نظرة المجتمع لحديث التخرج وسمات الثقافة العربية

ينظر العالم العربي لخدمة التوجيه أنها غير مهمّة وهذه النظرة تؤثر على القيمة المدفوعة للخدمة. وهذا أمر ثقافي حيث تعوّد العربي بسبب انتماءه القوي لقبيلته وأسرته الممتدة أن يتلقى المساعدة فقط في خصوصية الاسرة أو القبيلة أو بإذن من الكبار فيها والذي له علاقة أيضا بسمة الهرمية في الثقافة العربية والتي هي سمة ثابتة لا تتغير مع مرور القرون لكونها مؤصّلة ليست فقط في ثقافة المجتمع، ولكن في التعاليم الدينية الإسلامية. ومن هنا يتردد الفرد كثيرا قبل أن يذهب لشخص غريب مهما علت سمعته لكي يضع معه خطط مهنته ويفتح له قلبه وخصوصياته. وسمة الخصوصية أيضا من السمات القوية جدا في مجتمعنا.

وهناك أيضا نظرة المجتمع لحديث التخرّج والتي تملي عليه أن يستقي الاستشارة من صاحب الحكمة والعلم والذي يتصوره العربي في ذهنه، خريج جامعة بدرجة الدكتوراه أو الماجستير أو وليس خريج برنامج تعليم توجيهي. بل ويتصوره وقد علاه الوقار بسبب شيبته وسنه ولا يهتم بمن هو دون ذلك. بل ويراه رجلا وليس امرأة، بل وترى المرأة صاحب الحكمة رجلا وليس إمراه مثلها في أغلب الأحيان. هذه التصورات السائدة هي جدر صلبة تواجه حديث التخرج من البرنامج. فإذا وضعت ما سبق في المعادلة أدركت أن الموجّه الحديث التخرج لا يملك الاعتماد أصلا وبالتالي نظرة المجتمع له أنّه عديم القيمة أو لم يصل للخبرة المطلوبة. فالشهادات في مجتمعنا العربي مبهرة وتعني الكثير.

5- قلّة ذوي الخبرة من الموجهين العرب

ندرة التخصص في المجال التوجيهي والخبرة العالمية والمحلية، وندرة من يصل بجهده وتعبه لعدد الساعات وأعلى الاعتمادات هي تحدّي آخر يواجه الموجه حديث التخرج. بينما يجد الموجّه في أوروبا وأمريكا ألوف الموجهين المحترفين لعقود من الزمن فيدخل البستان ويستقي من رحيق كل الزهور المتنوعة والخبرات. وهذه الندرة تؤثّر في التلقي. ولعلّ أقرب مثال لذهن القارئ هو رحلة السفر في طلب العلم والتي كان قام بها طلبة العلم الشرعي عبر القرون السابقة والتي أصبحت في متناول اليد الآن بلغة غير لغتنا وثقافة بعيدة عن ثقافتنا مع كونها بألوف الدولارات.

6- عائق اللغة عند المدرّب والمتلقّي

وينحصر الموضوع أكثر عندما لا يتقن الموجّه العربي اللغة الإنجليزية فيحرم من التعلم من كل تلك البرامج المجانية العالمية أو المدفوعة وإن كانت لديه الموارد المالية. وقد لا يعرف كيف يصل لها لكونها تتطلب البحث والتقصي. وقد تجد أيضا أن عائق اللغة يقف بينه وبين فهم نماذج عالمية متعددة في تطبيق الممارسات، فيكون مصدره الوحيد هو المدرّب. ولكون النماذج العالمية مبنية على مقالات بحثية أكاديمية في أغلب الأحيان، فتزداد فجوة التلقّي والفهم حيث يتطلب قراءة تلك النماذج وفهمها بشكل ذاتي التأهيل الجامعي المتقدّم.

7- المدرّب المحدود

المدرّب المحدود بنموذجه المحلي المحدود بفهمه وممارسته الخاصة به،  قد لا يسهم في سعة أفق المتدرب. لا يوجد مدرّب يعرف كل شيء ويفهم كلّ شيء. التدريب الأساسي للتوجيه منحصر في أغلب الأحيان على خبرة المدرّب وعلمه. ويزداد الامر صعوبة عندما يقوم بعض المدرّبين بنقل آلية التلقين التعليمية والتي هي وسيلة التعلم في معظم الصفوف الدراسية في بلادنا العربية، للقاعة التدريبية، ليضمن نجاح الخريجين في اختبارات الاجتياز العالمية للاعتماد فيلقنهم ما ينبغي وما لا ينبغي لأن التصور الأوسع قد يعرّض خريجيه للمخاطرة في التطبيق وربما الاجتهاد وربما الفشل في ظنّه.

قد يكون المدرّب محدود التجربة أيضا فلا يريد أن يوسّع مداركه، فلماذا أغيّر ما أقدّمه من منهج طالما هم في حالة انبهار! فتجده يجمد في مكانه مثله مثل الأكاديمي العربي بعد حصوله على درجة الدكتوراه ومقعد البروفسوريّة، بل وقد يرى العالم كله خطأ وهو على حق. ولسنا هنا بصدد جمود البحث العلمي والباحثين في العالم العربي فهذا ربما يكون عنوان المقال القادم، ولكنا بصدد جمود المدرب على مادّته التدريبية بحيث يقع من تدريبه ضرر بالغ فيتطور العلم والعالم ويخرج من عنده طلبة جامدين في أماكنهم. رأيت هذه النماذج أثناء قيامي بجلسات الاشراف التوجيهي مع خريجي المدارس العربية.

الحلول والمخارج

  1. تظل الحاجة قائمة لوجود مجموعات دعم من المدارس المحلية لخريجيها، على شكل مجتمعات ودوريات ممارسة. ويجتهد البعض ويفتح مجموعات واتس اب او لنكدن او فيس بوك ويجمع فيها كل من سمع عنه أنه موجّه ومعظم هذه المجموعات تسويقية لبيع خدمات من أوجدها، وأيضا بعضها ترفيهية لكي يتعارف الجميع ويتآلفوا.
  2. لا يوجد للآن منظمات عربية معتمدة تقدم الدعم المنظومي الشامل بمناهج عربية وأسعار محلية للعضويات، وكل ما نراه هو مستورد أو يدر ربحه على المنظمات الأجنبية البعيدة عن تعاليم ديننا وثقافتنا ومن هنا لا يحصل المتدرب الموجه على الدعم المطلوب في النمو المستمر. جزء من التحدي القانوني في بلادنا هو صراعات قديمة بين التدريب المنظومي تحت الموارد البشرية وبين خدمات الحياة المساندة وعلوم الطاقة المستقاه من الثقافة الكنفوشية في دول شرق آسيا.  
  3. يحتاج العربي الخريج أن يصرّ على الفروع الممثلة للمنظمات الخارجية الأوروبية والأمريكية، على تغيير إطار الأسعار ونظام الاعتماد المبني على مفاهيم الرأسمالية كحل وسط بين الثقافة المحلية المعارضة وبين الإصرار الغربي.
  4. لابدّ أن يفهم الموجّه حديث التخرج أنّ التسويق في وسائل التواصل هو فقط ظهور يسهم في التعرف على فكره، ولكنه لا يغني عن الصلة الحقيقية في مقر عمله ومحيطه الاجتماعي.
  5. قد يحتاج الموجّه إلى أن يقدم الممارسة التطوعية ويحصي ساعاتها، بغض النظر عن زيادتها عن المعتاد عالميا، كل ذلك بهدف بناء التجارب، والخبرات، والعلاقات، والثقة.
  6. علاج تحدي عدم وجود اعتماد أن تعتمد على أخلاقك وسيرتك الحسنة وعطائك المستمر وليس على الألقاب وراء اسمك.
  7. ابحث عن الموجّهين العرب المقيمين في الخارج ممن يتحدث العربية فلديهم كم هائل من التجارب والخبرات، تواصل معهم افتراضيا وتعلم ولو في ربع ساعة منهم شيئا مفيدا.
  8. اذهب لجلسات الاشراف التوجيهي، فباقة واحدة لمدة عام تصنع لديك فرقا كبيرا في خبراتك وممارستك.
  9. استمر في تعلم اللغة والاستماع للمتحدثين بها في اللقاءات المجانية “فكثرة الدق يفك اللحام” كما يقال.
  10. وزع جدولك التعليمي على بساتين متعددة وتنقل بين الازهار ولا تكتفي بكلام مدرب واحد فقط تصير تابعا له كأنك عبدا، تخلى عن فكرة ” من علمني حرفا صرت له عبدا” فهي لا تصلح في علوم الدنيا ولا في علوم الآخرة. اعمل عقلك في الدليل واطلب البينة على الادعاء وقم بالبحث بنفسك، واسأل أسئلة تتحدى فيها علم المدرب وتحوجه للبحث والتقصي وربما يتمنى أنّه لم يلقاك، ولكن أنت تفعل فيه خيرا عظيما وتدرّبه على الذوبان ليتحرك من مقعده المريح ويلحق بركب المتعلمين.
  11. ابحث عن دوريات الممارسة المتاحة ليس فقط في الفروع الممثلة للمنظمات الأجنبية في بلادك فالفروع ليست الهة تعبد من دون الله وما يقوله المعتمد ليس نصّا قرآنيا منزلا.
  12.  تحقق من المعلومة بالبحث عنها في مصادرها وليس في محرك الذكاء الاصطناعي، المحرك قد يعطيك معلومات قديمة وحديثة ويخلط بحسب ما تمليه عليه، وبحسب ما يتم تغذيته به. لا تعتمد على المحرك أبدا واذهب للمصدر واقرأ وترجم وابحث مرة ومرتين وتحقق.
  13. ادفع فلوس للدوريات ولا تأخذها مجانا من الواتس أب ومجموعاته، عليك أن تتأكد أنّ من يشرف عليها أكثر منك علما وخبرة وساعات واعتماد، لتضمن النظام والانضباط وتبتعد عن خيبة الامل والصدمات النفسية من جرّاء غياب التعاقد الكتابي السليم مع المستفيد في تلك الدوريات.
  14. أختر مدربك ومرشدك وموجهك ومشرفك التوجيهي، فكم سمعت من كبار الموجهين كلاما غير صحيح وليس موجودا في مواقع المنظمات الأساسية باللغة الإنجليزية، وكم جاءني حائرا بائسا بين المدربين والمرشدين، وبعد التحقق والمراسلة اتضح لي خطا المدرّب أو المرشد واتضح لي أن الإجابة كانت في متناول اليد لو عرف الموجّه كيف يكتب للمنظمة تساؤله.
  15. استفت قلبك وإن أفتوك وإذا شككت في أمر فانتظر إلى أن يتضح لك.

شكرا للقراءة وارجو أن تترك تعليقا على فقرة معينة وليس على المقال ككل. ماذا وقع في قلبك بالذات؟ ولماذا هو مهم بالنسبة لك من واقع تجربتك؟


[1]International Coaching Federation- ICF

[2] European Mentoring and Coaching Council- EMCC

اترك تعليقاً

Shopping cart

0
image/svg+xml

No products in the cart.

Continue Shopping